Thursday, April 07, 2011

من أجل الخبز !













منذ أن بدأت العمل في هذه الشركة قبل عدة سنوات لم أكتب إلا ربما مقالاً واحد بسبب ضغوط العمل التي لا تهدأ ولا تنتهي، وقد اعتدت من قبل وعلى مدى سنوات عديدة الكتابة فيما يخص الشأن العربي والإسلامي والمصري على وجه الخصوص، لكن ماذا عساي أن أفعل؟!
إنه الخبز !!









Sunday, June 15, 2008

(1) سنواتي في قطــر


العنوان استعرته من سلسلة أعمدة كتبها الأستاذ العزب الطيب الطاهر- الصحفي بالراية ومراسل الأهرام بالدوحة- منذ عدة أسابيع، اجتر فيها ذكريات تسعة عشر عاماً قضاها في قطر بعد أن حان وقت الرحيل،ولم أشرف بلقائه إلا مرة واحدة ولا أظنه يذكرني فقد التقينا منذ عامين تقريباً في أحد مقاهي الدوحة في استضافة صديق مشترك كان قد أتى إلى الدوحة في زيارة قصيرة،وأكثر ما لفت انتباهي إليه في تلك الجلسة بساطته وأنه يسمع أكثر مما يتكلم، علاوة على أنه من الأشخاص الذين يألفهم المرء وكأنه يعرفهم، وأرجو له كل التوفيق في عمله بصحيفة الأهرام المصرية.

أشترك مع الأستاذ العزب في أنه قد حان أيضاً وقت رحيلي من قطر التي قضيت فيها سنوات عدة إلا أنها لا تصل إلى نصف المدة التي قضاها هو فيها، وإذا كانت الأهرام قد قررت عودته إليها؛فإن قرار مغادرتي الدوحة هو قرار شخصي قد اتخذته بعد أن استخرت الله عز وجل فأرشدني إلى ما أنا على يقين بأنه عين الصواب، وسأتطرق إلى أسباب ذلك لاحقاً.

سأحاول في هذه السلسة أن أسرد تجربتي منذ البداية حتى قبل مجيئي إلى قطر ومدى ملامسة وقائع هذه التجربة لحال الشباب في بلدي مصر؛فهي ليست مجرد حكاية شاب قهرته الظروف في بلده واستكثرت عليه أن يحيا عيشة كريمة وسط أهله وأحبائه، بقدر ما هو سرد لحال الغالبية الساحقة من أبناء بلدي، وخاصة في هذه الأيام، فلن أسرد في هذه الحلقات كلاماً إنشائياًً أو أحداثاً سمعتها وأعلق عليها، ولكنها تجربة حقيقية مر بها وعاشها وعايشها كاتب هذه السطور، وأرجو لها أن تكون صرخة مدوية تخترق الحجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أو علها تصل إلى مسامع من أراهم ويراهم كثيرون مثلي، السبب الرئيس في كل ما جرى ويجري من وأد لأحلام الشباب في بلدي.
رابط المقال بجريدة الراية القطرية:

Wednesday, December 26, 2007

مناسبة تستحق الاحتفـال

منذ عام مضى كتبت تحت عنوان
No Celebrations, It doesn't deserve
"مناسبة لا تستحق الاحتفال".
لكن هذه المرة ولأول مرة أرى أنها بحق "مناسبة تستحق الاحتفال"..
لكن هناك معضلة هي كيف يتسنى لنا التعبير عن امتناننا لمن لهم الفضل في ذلك.
هذه هي المشكلة.
لكن عزاءنا أنهم يعرفون جيداً السبب؛ فقد خبروا أن ما نحمله تجاههم يحتاج إلى لغة أخرى غير اللغات المتداولة في عالمنا لكي نتمكن من إيصال القليل منه.
فالتمسوا لنا العذر كما عهدناكم منذ عرفناكم.
وكل عام ونحن معاً على طريق الخير

Sunday, November 11, 2007


كيـف تتعـرّف على الصفـر الفضـائي

نتحدث في هذه الحلقات المتواصلة والممتعة - على الأقل بالنسبة لي- عن نموذج مدمر تتجسد فيه الازدواجية العربية المعروفة،فهو يعيش بشخصيتين متناقضتين واحدة في العلن والأخرى في الخفاء بعيداً عن أعين الناس،وهو نموذج ينشط في دروب ومتاهات الانترنت الواسعة ويتخذ من المنتديات النافعة على الشبكة مرتعاً لاشباع نزوات صبيانية ابتليت بها نفسه المريضة، حيث يضيع جل وقته والذي هو حق عليه لأسرته في نسج شراك كيده وخداعه للايقاع بالفتيات في علاقات غير مشروعة ويستخدم في سبيل ذلك كل الحيل التي في جعبته المفخخة ويعينه على ذلك أمران الأول رفاقه من شياطين الجن والذين لو جهروا بما لديهم لشهدوا ببراعته في حرفته وتفوقه في جريمته ولخلعوا عليه رداء التفوق الابليسي من الطبقة الدنيا شهادة منهم بتميز أحد نظرائهم من بني الإنس، والأمر الثاني هو أي حمقاء ساذجة تافهة لم تحفظ أمانة أودعها أهلها إياها عندما تسمح لنفسها أن تكون أداء أو وسيلة يستخدمها ذاك المريض في تحقيق مآربه الفاسدة المفسدة.
قلنا في الحلقة السابقة أن مثل هذا النموذج ما هو إلا صفر فضائي لأنه لا يفعل ذلك ببنات الناس إلا أصفار البشر رغم أنه يعلم جيداً أنه كما تدين تدان وأن ما يقترفه في الخفاء بعيداً عن أعين الناس يراه ويراقبه عادل لا يُظلم عنده أحداً وإن لم يتب فسيرى ذاك السوء في أقرب الناس إليه،ولكنه للأسف يتناسى هذه الحقيقة طالما أن لا أحد من بني البشر يعرف حقيقته المدمرة إلا ضحاياه ولو تفضلت كل واحدة منهن بسرد تفاصيل خيبتها التقيلة لسمعنا روايات وحكايات لن تسعها عدة مجلدات، لكن السؤال هو كيف يمكن التعرف على هذا الصفر من بين آلاف الأعضاء في كل منتدى على الشبكة؟
بداية نكرر أن الصفر الفضائي لا يرتاد المنتديات التافهة وإلا كنا تركناه وشأنه فهو في تلك الحالة سيرتع في بيئته وينشط في وسطه، ولكن للأسف نجد أن منابره هي المنتديات النافعة على الإنترنت وإليكم هذه العلامات على الطريق ترشدكم بسهولة للتعرف على ذاك الصفر التافه ثم محوه من بؤرة احترامكم ومن ثم من حياتكم كلها فمثل هذه الأصفار لا تجلب إلا السوء وضرها أكثر من نفعها هذا إن كان فيها من النفع شيء.
تابع تعليقاته المنمقة المسمومة في المنتديات على أي "شخبطة" لأي سيدة أو فتاة حتى وإن كانت لا تحمل من صنف النساء إلا إسمها،حيث يتفانى ويجتهد في نحت التعليقات وتجميل العبارات وتزيين الكلمات على أي مشاركة لا قيمة لها ولكن قيمتها بالنسبة له أنها قد صدرت من أنثى،فعندما تقرأ تعليقاته على مشاركات تافهة أو شخبطة خطتها يد أنثي ستتعجب وربما تتهم نفسك بالغباء لأنك لم تفهم ولم تقرأ ما بين سطور تلك الشخبطة الأنثوية !
في إحدى المرات حدثني أخ لي عن دهشته من هذه النقطة وكان منفعلاً جداً وكاد أن يتهم نفسه بأن عنده قصور في الفهم بسبب هذه التعليقات على مشاركات قرأها ولم يجد فيها ما يستحق كل هذا الثناء وكأنك تقرأ تعليقاً على قطعة أدبية رائعة للمتنبي أوعنترة العبسي! ولأن أخي هذا على سجيته وقد أنعم الله عليه بفطرة نقية لم يخطر بباله أن تكون لصاحب التعليق مآرب أخرى من وراء كلمات المدح والثناء التي يجب أن يعاقب عليها القانون!
الصفر الفضائي أينما حل أو ارتحل من منتدى إلى آخر يحيط نفسه بزمرة أو شلة جلهم إن لم يكن كلهم من النساء، يطبلون ويهللون له حتى يصير عيد ميلاد "المجيد" حدثاً فارقاً في تاريخ الأمة !وإياك ثم إياك أن توجه إليه أي نقد،فهو لن يرد على نقدك ولكنه سوف يوحي لهذه الزمرة من المطبلين بأن ينطلقوا للهجوم على شخصك كأنهم مجموعة من الدبابير وسوف ينهشونك بكل ما أوتوا من قوة لأنك تجرأت واقتربت من حِماه "الطاهر".
بما أن الصفر الفضائي هدفه معروف ومبتغاه مكشوف،فإن آراءه في قضايا أمته الجوهرية باهتة لا قيمة لها،فهو لا يشغل باله بمثل هذه الأمور التي لا تهمه ولا علاقة لها بنزواته الصبيانية التي يسعى جاهداً لاشباعها، علاوة على أنه ربما يكون هو نفسه جزء من نظام فاسد،وكثيراً ما تقرأ له كلاماً لا يساورك أدنى شك أنه يخرج من نفس البوق الذي تحمله زمرة فاسدة من المثقفين الذين يطبلون ويهللون لأي نظام عربي فاسد ويزينون له سوء عمله فيراه حسناً وزي الفل !
رابط المقال بجريدة الراية القطرية


Monday, October 22, 2007

أصفـار فضائيـة


بعد غياب دام أسابيع عدة ها نحن نعد العدة لنعود بعد كل هذه المدة إلى حلقاتنا الممتدة التي نحذر فيها منذ مدة من خطر يحيط بنا وبيوتنا من جهات عدة،حيث نتناول فيها ظاهرة أشباح الإنترنت الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقلنا من قبل إنهم ذكور من أبناء جلدتنا لا يرقبون في بناتنا إلا ولا ذمة،وقد ارتضوا لأنفسهم الدنيئة أن يعيشوا حالة عجيبة من التناقض بين سرهم وعلانيتهم فهم في الحقيقة فاسدون مفسدون وأمام الناس في العلن مصلحون ناهضون يسعون إلى نهضة أمتهم وتقدمها بينما هم في سعي دائم لاتخاذ المنتديات النافعة على الانترنت منبراً لاصطياد الفتيات الحمقاوات والإيقاع بهن في علاقات توصلهن إلى نهايات مأساوية لا ينفع بعدها أي ندم وتكون جل الخسارة من نصيب هذه الحمقاء على الأقل من سمعتها بين الناس.
ولم أرد من هذه الحلقات المتواصلة إلا أن تكون جرس إنذار لنا لكي نتنبه لهذا الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً فمن منا ليس له أختاً أو ابنة أو زوجة مضطرة للدخول إلى الشبكة العنكبوتية التي تزخر بالكثير من الفوائد لكن تفسدها مثل هذه الكائنات الضارة، وقلنا إن كل واحد من هذه الجراثيم الفضائية بمكره وخبثه ودناءة سعيه هو بمثابة حسام أو سيف في يد الشيطان يضرب به وبقوة العفة
والالتزام والحياء عند بناتنا عبر أساليب شتى من الحيل الماكرة والكلام المعسول وخدماته التي يبدو للحمقاوات أنها بدون مقابل وكأن سعادته جمعية خيرية تسعى لخير البشر عامة وصنف النساء خاصة!
منذ ما يزيد عن عشر سنوات سافر زوج شقيقتي الكبرى للعمل بالمملكة العربية السعودية،ولم تكن قد انتشرت بعد الهواتف ووسائل الاتصال الأخرى كما هو الحال عليه هذه الأيام،ولم يكن من وسيلة للتواصل بين زوج قهرته ظروف المعيشة القاسية واستكثرت عليه العيش حياة كريمة مع زوجته ووسط أولاده وبين زوجة تحملت المسؤولية كاملة بعد سفر الأب ووزعت جهدها بين رعاية بيتها وأولادها وبين عملها إلا الرسائل البريدية العادية.
ثلاث سنوات أو يزيد قضاها هذا الزوج في غربته بعيداً عن زوجته وأولاده ينتظر رسالة واحدة منهم في كل شهر وأحياناً أكثر من شهر،حيث تصل رسالته لهم بعد أكثر من أسبوعين ثم يستغرق الرد أسبوعين آخرين للوصول يعني شهر كامل على الأقل إلى أن تستلم منه الزوجة رأي في أمر ما أو توصية بعمل شيء أو إرسال نقود أو غير ذلك من الأمور التي لا تستطيع الزوجة أن تقطع فيها برأي بمفردها فما عليها إلا إرسال رسالة تطلب رأي الزوج المغترب،وكثيراً ما كانت تتأخر الرسائل في الوصول فيضيع معها الوقت في الانتظار والقلق،ومن ثم تعليق البت في كثير من الأمور لحين وصول رسالة الأب وفي كثير من الأحيان كانت تضيع الرسائل في البريد ولا تصل.
تخيلت الآن كيف لو أن سفر الزوج كان في مثل هذه الأيام التي انعم الله بها علينا بنعمة الانترنت فهي نعمة عظيمة اختصرت المسافات والوقت في لحظات قليلة وجهد لا يذكر، وقد تخيلت كيف كان الوضع سيكون لو توفر لهذين الزوجين وسيلة للتواصل مثل الإنترنت كيف كان سيختلف الوضع بالنسبة لهما،فبكل تأكيد لو توفرت لهما آنذاك نعمة عظيمة مثل الانترنت لكانت حياتهما أسهل بكثير،وأنا أعلم جيداً بحكم معرفتي بهذين الزوجين أنهما كانا سيحمدان الله ويشكرانه على هذه النعمة العظيمة لأنها وفرت لهما وسيلة سهلة وسريعة للتواصل معاً والزوج بعيداً عن أسرته.
هذه هي حال الدنيا وحال البشر،بين شكر وجحود ،ليس فقط جحود النعمة وعدم شكر الله عليها بل واستخدامها فيما يغضب الله،فكثير من الناس قد أنعم الله عليهم بهذه النعمة العظيمة ولكنهم يستخدمونها فيها يغضب الله مثل هذا النموذج الذي تتناوله هذه الحلقات-حسام الشيطان- فهو لا يشكر الله على نعمة أنعمها عليه بل ويستخدمها في مبارزة الله بالمعاصي عبر التربص بالفتيات واصطياد الحمقاوات والتغرير بهن عبر كلام معسول وحديث مسجوع في السم منقوع،ويقضي الساعات الطوال متطلعاً إلى شاشة الحاسوب ينظر إلى فتاة لا يحق له النظر إليها فضلاً عن تبادل كلمات الهوى والعشق معها مع أن أسرته أولى بكل هذا الوقت الذي يضيعه في تلك الممارسات الصبيانية التافهة.
بيني وبين الرياضيات وعالم الحسابات عامة تنافر يصل إلى حد القطيعة لكني ما زلت أذكر ما كان يردده مدرس الرياضيات في الصفوف الأولى بالمرحلة الابتدائية لدرجة أني كنت أقول ليته يسكت،فقد كان يردد بلا ملل أن الصفر على يسار الرقم لا قيمة له أما إذا جاء على يمين الرقم فله قيمة كبيرة.
هذا هو صفر الحساب لكن الصفر "الفضائي" هو في كل الحالات صفر تافه لا قيمة له ولا وزن،وأراه كفيروس مدمر لنفسه ولمن حوله،فهو صفر ينبغي استئصاله حتى لا يستشرى خطره وينتشر سمه وتتعالى حرفته وتزدهر تجارته ويعلو صوته، فهو صفر لأنه لا يفعل ذلك إلا أصفار البشر وهي أيضاً صفر مثله لأنها سمحت لأحمق،صفر، أن يسرح بها ويستغلها لكي يشبع نزواته الصبيانية.
فيا ترى متى سننجح في محو مثل هذه الأصفار المدمرة من حياتنا؟
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
رابط المقال بجريدة المصريون

Friday, October 12, 2007

صلاة عيد الفطر المبارك
(مصلى بن محمود بالدوحة، 12/10/2007)













































Tuesday, September 11, 2007

مرحباً بكم في دبي الأخـرى



اعتدت أن أمكث بعد صلاة الفجر ساعة على الأقل قبل أن أذهب للنوم مرة أخرى،ساعة أو أكثر أقضيها غالباً في القراءة في هذا الوقت الذي أعشقه، فما أجمل أن تكون مستيقظاً والناس نيام،بالنسبة لي أجده شعوراً لا يوصف خاصة عندما تتابع بزوغ أول ضوء ليوم جديد ثم شروق شمس هذا اليوم وأنت مستيقظ وغيرك نائم غافل فاتته هذه اللحظات الفارقة من عمر هذا الوافد الجديد.
في هذه المرة جلست أنظر من شرفة غرفتي بالفندق الذي أقمت به خلال رحلة عمل إلى مدينة دبي التي ملأت شهرتها الآفاق،وتأملت من هذا الارتفاع الشاهق الهدوء الرهيب الذي يخيم على شوارع هذه المدينة وهو الهدوء الذي يسبق يوماً جديداً من الحركة والبيزنس والنشاط الذي تعج به هذه المدينة ذائعة الصيت.
وأنا أتجول بناظري على المباني العديدة متوسطة الارتفاع والتي تحيط بالفندق أذهلني منظر غريب وأصابني بالإحباط حزناً على هؤلاء الذين أحسب أنهم هم مَنْ تحدث عنهم المنفلوطي رحمه الله في مقدمة كتابه العبرات الذي أهداه إليهم قائلاً "الأشقياء في الدنيا كثير وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من بؤسهم إلا أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات عليها استطاعة بائس مثلي أن يمحو من بؤسهم وشقائهم،فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات علهم يجدون في بكائي عليهم تعزية وسلوى".
وها أنا ذا أيضاً أسكب بين أيديهم هذه العَبَرة التي أرجو لها أن تكون صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فقد رأيت العديد من الأشخاص،لم أهتم بمعرفة جنسياتهم أو هل هم من العرب أو العجم،المهم أنهم مجموعة من بني البشر نائمون،فقد رأيتهم نياماً على أسطح هذه البنايات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في هذه الحرارة المرتفعة والرطوبة التي لا تطاق.
هذا الأمر لا يحتاج مني ولا من غيري إلى تفكير عميق عن سبب "تفضيل" هؤلاء الأشخاص النوم فوق أسطح هذه البنايات في هذا الجو القاس والإجابة هي أنهم من المقيمين الأجانب في هذه المدينة القاسية، ومن المعلوم أن إيجارات المساكن قد ارتفعت بصورة لا يمكن لأمثال هؤلاء تحملها لدرجة أن الكثيرين منهم لا يجدون ما يكفي لسداد قيمة مكان متر في متر بغرفة في أي بقعة من هذه المدينة.
في حواري مع الكثير من الزملاء المقيمين هناك علمت أنه وبعد الارتفاع الهائل في إيجارات المساكن لاذ الكثير من المقيمين في دبي بالفرار من غلاء الإيجارات ولجأوا إلى السكنى في الإمارات الأخرى القريبة مثل الشارقة مع أن مقار عملهم في دبي لدرجة أن طريق الشارقة دبي الذي يستغرق أقل من عشرين دقيقة في الأوقات العادية يقطعه المسافرون في الصباح من أماكن سكنهم في الشارقة إلى مقار عملهم بمدينة دبي في ساعتين أو أكثر.
وقد نتج عن هذا الغلاء غير المبرر استغلال أصحاب العقارات للمستأجرين في ظل غياب القوانين الرادعة التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر،وقد انتعش سوق تأجير العقارات بصورة لم يسبق لها مثيل وهو ما تبعه زيادة معاناة محدودي الدخل،ويكفي أن أقول أن هناك من قال لي أنه من الناس من يستأجر البناية ثم يقوم بإغلاق موقف السيارات المخصص أسفل البناية ويقوم بتقسيمه وإعادة تصميمه إلى شقق صغيرة ليجني من ورائها أرباحاً طائلة..حقاً إنه فن استغلال مواقف السيارات!!
لأنني مصري أعتز بمصريتي وأشعر وأتألم بمعاناة الناس عامة وخاصة من أبناء بلدي فقد قفزت إلى ذهني صورتان تكونان مع هذه الحالة ما يمكننا أن نطلق عليه "التسطيح على هامش الحياة" ففي مصر يلجأ الفقراء البؤساء من أبناء بلدي الذين لا يطيقون تحمل تكاليف السفر من مكان إلى آخر داخل مصر إلى "التسطيح" فوق أسطح القطارات وهو موقف يتشابه مع "تسطيح" هؤلاء المقيمين فوق أسطح بنايات دبي،ولكنهما يشتركان في أن كلا النموذجين "تسطيح على هامش الحياة" في هذه الدنيا الظالم أهلها.
الصورة الثالثة قرأت عنها في رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني،والتي تحدث فيها عن مجموعة -من بني البشر أيضاً- يسكنون سطح بناية فخمة وسط القاهرة وهي لا تختلف عن تسطيح المقيمين بهذه الإمارة الخليجية فوق بنايات دبي مدينة البيزنس والصفقات.
لا أستطيع أبداً أن أنسى مقولة
"بثينة" خطيبة طه الشاذلي في هذه الرواية الرائعة عندما قالت له: "البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معاه فلوس.اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."،وأعتقد أن مقولة بثينة هذه تصلح للنماذج الثلاثة للتسطيح التي تحدثنا عنها.
أن يحدث هذا في مدينة غربية تحكمها المادة ويغلب على حركة المجتمع فيها مذهب البراجماتية أو المنفعاتية فهذا أمر لا غرابة فيه، ولكن أن نرى هذا في مجتمع عربي مسلم فهذا شيء عجيب،أن تعاني شريحة كبيرة من المقيمين في بلد عربي مسلم بغض النظر عن دياناتهم أو جنسهم وتضطرهم قسوة الظروف إلى المبيت فوق أسطح البنايات فهذا أمر لا يقبله شرع ولا دين ولا مروءة.نحن مسلمون والرحمة من صفات الله عز وجل التي ينبغي أن يتحلى بها البشر جميعاً وخاصة نحن الذين قال فينا الله عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس"،فهؤلاء المساكين قد قهرتهم قسوة الظروف في بلدانهم الأصلية واستكثرت عليهم العيش حياة كريمة بين أهلهم وذويهم فآثروا الهروب من ذاك الواقع التعيس في بلدانهم علهم يجدون في بلادنا العربية المسلمة ما افتقدوه هناك في بلدانهم، فهل يعقل أن يلحق بهم البؤس والتعاسة أينما ذهبوا؟! هل كتب عليهم الشقاء هنا وهناك ؟ألا يكفي معاناتهم جراء غربتهم التي تدوم لسنوات بعيداً عن أهلهم وأحبتهم؟ يا قوم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.



رابط المقال بجريدة المصريون